Monday, May 17, 2021

 الإضراب المضروب

سأحاول الكتابة بكلمات واضحة وبسيطة بقدر الامكان هدفها نقل الفكرة التي من الممكن تقبلها كاملة أو جزئيا وفي الوقت نفسه ممكن رفضها كاملة أو جزئيا. 

الاضراب ليس غاية بحد ذاته بل هو وسيلة لتحقيق غاية أو غايات معينة. تماما مثل المظاهرة أو الوقفة الاحتجاجية أو حتى الثورة ذاتها في نهاية المطاف هي وسيلة لتحقيق غاية أو غايات سامية. فإذا كانت هذه الوسائل تفتقد للغاية اصلا أو أن الغاية من استعمالها غير واضح بصورة متعمدة، أو انها تستعمل لخدمة أمور أخرى بعيدا عما مصرح به فمن الواجب إعادة النظر في هذه الوسائل ومن ثم تحديد الموقف المناسب منها.

عندما تكون الوسيلة، جهاز كهربائي على سبيل المثال أو اية أداة عمل أخرى معطلة أولا تقوم بمهمتها كما يجب نقول أن هذا الجهاز أو الأداة مضروبة ونعيدها من حيث اشتريناها. الأمر نفسه بالنسبة للوسائل النضالية: الوقفة الاحتجاجية، المظاهرة، الاضراب هي الاخرى قد تكون وسائل مضروبة ويجب إعادتها إلى أصحابها.

الإضراب العام الذي دعت اليه لجنة المتابعة غدا هو، حسب وجهة نظري، إضراب مضروب. لماذا اقول ذلك وقد كنت دائما ادعو للاضراب عام كوسيلة تصعيد للنضال؟ هل إضراب الغد وسيلة لتصعيد النضال أم وسيلة للالتفاف حوله وجره للخلف ومن ثم اجهاضه؟ هل جاء دعما للنضال الشعبي الشبابي الذي فرض نفسه طوال الاسبوع الاخير أم جاء للجم هذا النضال؟. 

هل الغاية من إضراب الغد تصعيد النضال ضد جرائم الحرب في غزة وضد سياسة التطهير العرقي في القدس وفي سائر المدن والقرى الفلسطينية أم العكس من ذلك؟  وخنقه باحتضان دافئ لإضراب شامل ولكن مضروب لا رؤية ولا أفق ولا استراتيجية له؟

الوسيلة المضروبة لها غايات مضروبة. إذن ما هي الغايات المضروبة من هذه الإضراب؟ الجواب في بيان لجنة المتابعة نفسه ومكتوب بأوضح العبارات ولكن الكثيرون لم ينتبهوا لها. إقتباس من البيان:" يجب أن يكون الإضراب سلميا مع نشاطات محلية، مع مرجعية سياسية واضحة تقودها مركبات لجنة المتابعة والسلطات المحلية واللجان الشعبية.."  هذا يعني من ضمن ما يعنيه أن المواجهات ضد الشرطة التي تغلق مداخل معظم البلدات العربية وضد القطعان المتنقلة للمستوطنين هي أعمال شغب يجب وقفها وشجبها. لجنة المتابعة بكافة مركباتها تريد أخذ زمام  الامور مرة ثانية من أيدي هؤلاء المشاغبين والتغني ب"السلمية"

إقتباس: " يجب أن يكون الإضراب تحت الشعارات السياسية التي تطرحها لجنة المتابعة" وهنا بيت القصيد. هل تعرفون ما هي الشعارات السياسية التي تطرحها لجنة المتابعة؟

واضح أن لجنة المتابعة بمركباتها المذكورة قد شعرت في الاسبوع الاخير أن مكانتها قد اهتزت وأن بديلا آخرا يختلف عنها جذريا، ينمو ويصلب عوده ويهدد وجودها وهذا يشكل خطا أحمرا بالنسبة لها. 

إذن،الغاية الحقيقة من الإضراب هو بكل بساطة إنقاذ ما يمكن انقاذه من مكانة وهيمنة المتابعة.  وهي على فكرة صفة طبيعية مشتركة لكل المؤسسات التي تتمتع بنوع من السلطة (من نظام  دولة وحتى اللجنة محلية) للحفاظ على بقائها. وكل ما عدا ذلك ليس سوى تنظيرات.


Tuesday, April 20, 2021

  الشطرنج والسياسة في العالم العربي

علي زبيدات - سخنين


الشطرنج هي لعبة حربية ومن هذا المنطلق فأنا أكرهها. ولكنها لعبة حربية بدون سفك دماء وبدون تدمير شامل حقيقي أو قتل حقيقي ومن هذا المنطلق أحبها. الشطرنج لعبة عنصرية تقوم على أساس طبقي رجعي، لكل قطعة مكانتها وامتيازاتها ولا يمكن الحياد عنها مهما كانت الاسباب ومن هذا المنطلق أكرهها. ولكن، من جهة أخرى، لديها ديناميكية فريدة من نوعها حيث تسمح بالتغيرات الطبقية في طبيعة أدواتها، فالجندي المثابر الذي يخترق صفوف العدو ويصل إلى اعماقه يترقى الى اعلى المرتبات ومن هذا المنطلق احبها. الشطرنج،من حيث المبدأ، لعبة رجعية هدفها الأول والأخير الحفاظ على حياة الملك حتى لو تطلب ذلك التضحية بحياة كل القطع ومن هذا المنطلق أكرهها. ولكن من جهة أخرى وبالرغم من أهمية الملك فهو في غاية الضعف فلا يستطيع أن يتحرك إلا بمحدودية وكأنه معاق وهو بحاجة دائمة لمن يحميه ومن هذا المنطلق أحبها. الشطرنج تعلمنا التفكير والمزيد من التفكير لذلك احبها. ولكنها في الوقت نفسه تعلمنا التفكير في كيفية تدمير الآخر لذلك أكرهها. الشطرنج تعلمنا التخطيط وما أحوجنا للتخطيط وتوسع من مجال أفقنا المستقبلي وما أحوجنا لذلك أيضا نظرا للكهف المظلم الذي نعيش فيه ومن هذا المنطلق أحبها. ولكن التخطيط الذي تعلمنا اياه هدفه نصب الكمين للإيقاع بخصومنا (مؤامرة) وتساعدنا على امتلاك بعد النظر لنرى مساوئ غيرنا.

وهكذا كما ترون يوجد بيني وبين الشطرنج قصة حب وكراهية تشبه  أعظم قصص الحب تراجيدية في التاريخ البشري. من هذا لمنطلق كونت نظرية خاصة ملخصها: أن الحب الكبير الذي لا يلازمه كراهية كبيرة لا يمكن أن يكون حباً حقيقياً.

كانت هذه العلاقة بيني وبين الشطرنج طبيعية، من وجهة نظري على الأقل، حتى بدأ السياسيون العرب يتعلمون لعبة الشطرنج ويمارسونها في سياساتهم. فكان أول ما فعلوه انهم قضوا قضاء مبرما على كل جانب كنت أحبه في هذه اللعبة وقدسوا كل ما كنت أكرهه. فجأة اصبح القتل حقيقياً وسفك الدماء حقيقياً وحرق الارض وتدمير المدن والقرى حقيقيا. التفكير أصبح حصرا على إيجاد أنجع الوسائل لقمع التفكير الحر والتخطيط هدفه حفظ الملك (النظام) وقمع كل محاولة تهدف للارتقاء بالشعب وتحسين ظروف معيشته. وقد عملت هذه النخبة السياسية المتنفذة كل ما تستطيعه من أجل بقاء الملك ملتصقا بكرسيه حتى بعدما يصل هذا الملك إلى مرحلة التبول على نفسه.

من أجل الحفاظ على هذه اللعبة المحبوبة (المكروهة) وهي بالمناسبة لعبتي المفضلة يجب التخلص من هذه الطغمة السياسية المثقفة التي جيرت قواعد الشطرنج لخدمة الأنظمة الاستبدادية.


Monday, August 03, 2020

التجار من النوع الثالث

التجار من النوع الثالث
نعم، كفى متاجرة بالقضية السورية والفلسطينية
تنويه: هذا المقال ليس مجرد رد على مقالة رجا اغبارية.
هناك مثل شامي شعبي معروف، وعندما اقول شامي اقصد أيضا أنه فلسطيني، يقول المثل: هناك ثلاثة أنواع من التجار: تاجر وتويجر وأخرى التجار. بالرغم من تحفظي الفكري والسياسي على الدور التي تقوم به طبقة التجار في المجتمعات الطبقية ولكن من أنا لكي أعارض حكمة الشعب المستمدة من تجاربه الحياتية اليومية على مدى قرون والتي ميزت بين هذه الأنواع الثلاثة؟ فالتاجر الحقيقي المحترم قد يلعب دورا ايجابيا في تطور، رخاء وازدهار مجتمعه وفي كثير من الأحيان يضحي بماله وحياته من أجل غيره لأنه يعلم أن مصلحته الخاصة كتاجر وعلى المدى البعيد مرتبطة عضويا بمصالح أبناء شعبه. للاسف، هذا النوع من التجار أصبح نادرا وفي طريقه للانقراض خصوصا في عالمنا العربي. وهناك التويجر المتذبذب الذي ينظر تارة إلى أعلى وتارة إلى أسفل. امكانياته محدودة، فإذا كانت الجماهير في حالة من الرخاء والاستقرار النسبيين نراه يرتقي ولكن عندما تبدأ الازمات تعصف بالمجتمع نراه يتجه نحو الحضيض. التويجرون في الظروف التي تسود عالمنا العربي هم أيضا في حالة اضمحلال مستمر. النوع الثالث، اسمحوا لي هذه المرة ألا أذكر اسمه كاملا خوفا من أن يخدش حياء ذوي الحساسية المفرطة واصحاب الذوق الرفيع من الناشطين المثقفين الذين يطلقون على أنفسهم "مثقفين عضويين" ولنكتف هنا بتسميته "تجار النوع الثالث". يعيش هذا النوع حالة نمو وازدهار ويتمدد بسرعة تفوق انتشار فيروس الكورونا. لذلك اعذروني إذا اقتصرت الحديث في هذا المقال المقتضب على هذا النوع.
إسم هذا النوع من التجار كما لا يخفى على أحد يوحي بأن حاسة الشم لديه هي الحاسة القوية وهذا أمر طبيعي نظرا لالتصاقه بمؤخرة الجهة التي توفر له بيتا دافئا. وقد طور تجار هذا النوع طرقا عديدة تساعدهم تحمل الروائح الكريهة المنبعثة من المصدر الواقع فوق أنوفهم مباشرة. منهم من أدمن على الرائحة ولم يعد يشعر بها بل يظنها عطرا ويستمتع باستنشاقها، ومنهم من يتحملها طمعا بالحصول على بعض الدولارات لقاء عمله في التلميع والتنظيف والتطبيل ومنهم من يتقبلها خوفا من قمع وإرهاب الاجهزة الامنية وآخرون لهم مآرب أخرى لا تعد ولا تحصى.
يقول الرفيق رجا اغبارية في مستهل مقالته: "أنا مع سوريا الشعب والجيش والنظام". لا أدري كيف ضبطت معه وضع هذه العناصر المتناقضة في سلة واحدة. لم استغرب أن يضع الشعب في البداية، فهذا أمر متداول عند كل السياسيين القدماء والحاليين، التقدميين والرجعيين. هل مر بكم سياسي واحد لا يضع الشعب في المرتبة الأولى؟ مع أن هذا الشعب لم يذكر في المقال سوى مرة وبشكل عابر. وهنا أسأل الرفيق رجا: هل نصف الشعب السوري (على الأقل) من نازحين ولاجئين وقابعين في السجون هم جزء من الشعب السوري أم هم مجرد إرهابيين وبيئة حاضنة للإرهاب؟ فإذا اعترفت بأنهم جزء من الشعب السوري فهل النظام الذي تدافع عنه يتحمل مسؤولية (ولو جزئية) عن احوالهم وعن مصيرهم؟ ألا زلت تستشهد بالفكر الماركسي "الثوري" الذي يشدد على طبيعة التناقضات بين الشعب والنظام في المجتمع الطبقي؟
أما بالنسبة للجيش، الثاني في الترتيب، فله عادة طابع مزدوج فهو من جهة هم كأفراد ابناء الجماهير الكادحة تم تجنيدهم بالأساس عن طريق الإكراه ومن جهة أخرى هو مؤسسة عنيفة في يد النظام. وعندما يختل التوازن بين الشعب والنظام على الجيش أن يقرر إما العودة إلى احضان الشعب حيث ينتمي وإما ينحاز للنظام الذي يموله ويستخدمه. في سوريا لم يعد هناك أصلا جيش بالمفهوم المالوف للكلمة. هناك فيالق متخاصمة لها ولاءات اقليمية ودولية، هناك ميليشيات وعصابات لا تعرف ولا تعترف بمصطلح "حماة الديار" بعد أنا استبدلته بمصطلح "جيش التعفيش".
يتابع رجا اغبارية: " النظام هو الوحيد في المنطقة الذي يحارب الاستعمار العالمي المتعولم، ويشكل قاعدة أساسية لمقاومة الاستعمار الصهيوني في فلسطين تاريخيا وحاضرا". يا ساتر تستر. لقد ذكرتني بالعماد مصطفى طلاس (ابو النياشين) الذي لم يترك سنتمترا واحدا من بدلته العسكرية إلا وغطاه بالنياشين. هذا من غير أن يخوض ولو حربا واحدة. أين الحروب التي شنها النظام ضد الاستعمار العالمي المتعولم؟؟!! لماذا لم نسمع دوي المدافع وأزيز الرصاص؟أما بالنسبة لمقاومة الاستعمار الصهيوني فلا ضير أن تسأل أصدقائك في الجولان السوري المحتل عن المقاومة التي قدمها النظام.
ولكن اشد ما يثير الغرابة هو نقد الموقف الروسي:  "رغم أن وضع تحرير سوريا يسير على وقع خطوات الدبّ الروسي البطيئة ومتعدّدة المصالح والعلاقات المتناقضة في المنطقة، إلاّ أن دورها كان حاسمًا في صمود سوريا، وإنني من جمهور المناصرين غير المكتفين من الدور الروسي الذي نلمس أحيانًا أنه غير معنيّ بحسم كل معارك سوريا من أجل تحريرها من المحتلين"...الرفيق رجا يريد من الدب الروسي أن يسرع خطواته وألا يكتفي بدوس وتدنيس حميميم واللاذقية وطرطوس بل سوريا بكاملها. هذه هي المرة الاولى التي أسمع فيها أن قيادي وطني يدعو الى استعمار بلاده بحجة تحريرها. ما الفرق بين الذين جاؤوا للسلطة على الدبابة الامريكية والذي يتمسك بالسلطة بفضل الطائرة الروسية؟ وأخيرا ماذا تعني ب"المصالح والعلاقات المتناقضة في المنطقة"؟؟ لماذا لا تبقها وتقولها بجرأة: العلاقات المميزة بين روسيا واسرائيل وحرص الاولى على أمن وسلامة الثانية؟
التجار من النوع الثالث لا يهمهم بأية مؤخرة يلتصقون. فمنهم من يلتصق بمؤخرة اردوغان لكي يدغدغ مشاعره برائحة الخلافة المزيفة ومنهم من يلتصق بمؤخرة ملوك وأمراء البترول من الخليج حيث تبدد دولارات النفط الروائح الكريهة ومنهم من يفضل الالتصاق بمؤخرة أمريكا واسرائيل مباشرة إما طلبا للسلطة وإما حفاظا على السلطة.
نعم، سوريا العروبة وقلب العروبة النابض سوف تنتصر وفلسطين سوف تنتصر وتتحرر ولكن بعد التخلص من خرى التجار.



Tuesday, June 16, 2020

No to annexation

No to annexation

Before talking about the recent Israeli (and American) plans to annex the Jordan valley and other parts of the West Bank, let's keep in mind that all historical Palestine is under occupation. First, the colonialist Zionist movement occupied 80% of Palestine in 1948 after ethnic cleansing of more than 800.000 of the Palestinian people and in June 1967 Israel occupied what remains from Palestine.
The territories which are now subject for annexation are in facto annexed since the first moment of occupation, what Israel tries to do now is to make this annexation de jure, to make it legal by getting the recognition of the international community. The American administration already gave its blessing while other western countries had enough of declaration of soft condemnations, not one country took a real practical step.
For us, the struggle against these plans of annexation is a part of our general national struggle against occupation and for implementing the right of return for all Palestinian refugees and it will continue. We’ll never give up under any circumstances and in spite of the power imbalance in favor of the occupation. If Israel will continue with this plan, for sure, the resistance will escalate and a new Intifada will be approaching.
To be honest, we don’t count much on European governments to take any effective steps against the israeli plans. These governments, for a long time, gave almost unlimited support to the israeli occupation policy to a degree of becoming partners. Without the American and European support to Israel occupation  won’t endure more than 7 days rather than 70 years.
On the other hand, we count very much on international solidarity from progressive workers, students and other popular circles. For example,you can put more pressure on your own governments to stop supporting the Israeli occupation. But the most important thing, you can promote sanctions against Israel on all levels, you can join the campaign of the BDS
 and fight against Israeli racism and apartheid system.

Friday, April 17, 2020

السجن العربي الكبير

السجن العربي الكبير
طالما استنكرنا وأدّنا مؤسسات المجتمع الدولي التي تهتم بحقوق الانسان بشكل عام وحقوق الاسرى بشكل خاص، من بينها منظمة العفو الدولية أمنستي، هيومان رايتس ووتش، الصليب الاحمر وما شابهها من منظمات ولجان. وذلك بسبب النفاق والكيل بمعيارين فيما يتعلق بحقوق الانسان الفلسطيني بالاسرى في السجون الاسرائيلية. ولأنها غالبا ما تتعامل مع المحتل الصهيوني بقفازات حريرية تصل إلى درجة التواطؤ والمحاباة. المصيبة أن مؤسساتنا المدنية التي تدعي الدفاع عن حقوق الانسان ورعاية حقوق الاسرى الفلسطينيين تتبنى في تعاملها نفس المنطق ونفس الأسلوب الذي تستنكره وتدينه عند مؤسسات المجتمع الدولي.
بمناسبة يوم الأسير الفلسطيني، قامت المؤسسات الفلسطينية الناشطة في مجال حقوق الإنسان، واذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: هيئة شؤون الاسرى والمحررين، نادي الاسير، مؤسسة الضمير، مركز الدفاع عن الحريات وغيرها، بنشر بيانات تدين الجرائم التي تقترفها السلطات الاسرائيلية  بحق الاسرى الفلسطينيين من تعذيب يصل أحيانا الى حد الموت، واهمال صحي خصوصا في ظروف انتشار فيروس الكورونا، بالاضافة إلى مصادرة العديد من حقوقهم الطبيعية. ولكنها في الوقت نفسه تصمت صمت أهل القبور على ما يجري في سجون العالم العربي من المحيط إلى الخليج الذي أصبح عبارة عن سجن واحد كبير.
الحرية لا تتجزأ وهي واحدة لكل من يطالب بها، وهي حق لكل أسير رأي وضمير في أي سجن كان. ليس من الاخلاقي بشيء أن تطالب الآخرين بالتضامن مع أسراك وفي الوقت نفسه تدعم الأنظمة التي تزج بآلاف الاسرى في سجونها وتمارس في حقهم جرائم يندى لها الجبين. في هذا اليوم بالذات لا يمكن الكلام  عما يجري في السجون الاسرائيلية وفي الوقت نفسه السكوت عما يجري في السجون السورية والمصرية (وباقي السجون بالطبع). تفيد بيانات المؤسسات المذكورة أن عدد الاسرى الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية يبلغ حوالي 5000 أسير، هل تعرف هذه المؤسسات عدد الاسرى الفلسطينيين (ولا اقول السوريين) في السجون السورية؟ أما بالنسبة للأسرى السوريين فلا يعلم عددهم وظروفهم إلا الله وأجهزة المخابرات الاسدية. إذا كان جميع هؤلاء ارهابيين وعملاء ومندسين فهل تتجرأ هذه المؤسسات مطالبة النظام بتقصي الحقائق على الأقل؟ اليس من العار أن تصل المفارقة لأن يتمنى الاسير الفلسطيني ابن المخيم أن يكون أسيرا سجن اسرائيلي حتى يتخلص من أهوال السجون العربية؟
حسب الإحصائيات التي أوردها نادي الأسير: منذ احتلال الضفة الغربية وغزة (أي خلال أكثر من نصف قرن) تم استشهاد 222 أسير إما مباشرة تحت التعذيب وإما بسبب الاهمال الطبي أو أثناء الاعتقال. بينما استشهد في السجون السورية في أقل من عقد(الحالات الموثقة بالاسم والصورة فقط) 541 أسيرا هذا عدا المخطوفين والمفقودين. وحسب البيان ذاته، يوجد 41 أسيرة فلسطينية في السجون الاسرائيلية بينما بلغ عددهن في السجون السورية 613 اسيرة فلسطينية. ولم يذكر البيان استشهاد أي اسيرة فلسطينية بينما استشهدت 38 اسيرة فلسطينية في السجون السورية.  الأوضاع في السجون المصرية لا تختلف عن باقي السجون العربية: اعتقالات تعسفية، تعذيب، قتل، تهم ملفقة، رمس ابسط الحقوق الانسانية.
إلا أن المأساة الكبرى لا تكمن في هذه المؤسسات التي تدعي الحرص على حقوق الانسان وحقوق الاسرى بل تكمن بالاسرى والمعتقلين والمحررين أنفسهم الذين يواجهون بصدورهم العارية شراسة السجان الاسرائيلي وفي الوقت نفسه يدعمون ويحتضنون السجان العربي الاشد شراسة الذي ينكل بإخوانهم. هذا في الحقيقة ما أعجز عن فهمه.
الحرية لاسرى الحرية، في كل مكان وكل زمان وفي كل سجن. لقد آن الأوان تحطيم هذا السجن العربي الكبير الجاثم على صدور شعوبنا.  

Sunday, March 01, 2020

تكتيك المثقف واستراتيجية السلطة

تكتيك المثقف واستراتيجية السلطة
وجدت في الحوار الذي أجراه  الصحفي سليمان ابو رشيد مؤخرا ونشر على موقع عرب 48 مع د. نجمة علي، والتي تم التعريف بها على أنها ناشطة سياسية وأكاديمية متخصصة في العلوم السياسية، تحمل لقب دكتوراة من جامعة نيوزيلندية، كما هائلا من التناقضات ومن الأحكام المسبقة المستفزة. لا تربطني أية معرفة بالمتحاور معها لا من قريب او بعيد، ولكن بما أن موضوع الحوار وهو حول التصويت والمقاطعة لانتخابات الكنيست، يهمني شخصيا ويهم عدد كبير من أبناء وبنات شعبنا كان لا بد من التصدي لما جاء في هذا النقاش من تناقض وتجني على تيار المقاطعة: تقول الدكتورة: "لكي نستطيع نزع الشرعية عن مكان أو إطار معين يجب أن تكون فيه وجزءا بل جزءا كبيرا منه"، وتتابع قولها:"بدون فعل التصويت لا يوجد وزن للمقاطعة". قياسا على ذلك: لا تستطيع أن تكون مناهضا للصهيونية إلا اذا كنت جزءا من الحركة الصهيونية أولا، ولا تستطيع أن تحارب الفاشية إذا لم تكن عضوا في تنظيم فاشي أولا، ولا تستطيع أن تكون معاد للعنصرية إلا إذا كنت عنصريا. فإذا اردت مقاطعة الكنيست ونزع شرعيتها فما عليك إلا أن تصوت أولا وثانيا وثالثا ومن ثم ومن داخل الكنيست تستطيع أن تقاطع وتنزع الثقة…
تقول الدكتورة في بداية الحوار: " انتخابات الكنيست تكتيك يفترض استعماله حتى تنشأ الفرص لتبني استراتيجيات بعيدة المدى". هذا حسب علمي تعريف جديد للعلاقة بين الاستراتيجية والتكتيك. فقد تعلمت أن التكيتك ينبغي أن يخضع ويخدم الاستراتيجية في مسيرة النضال الطويلة، ولكن أن يكون التكتيك مهيمنا في غياب الاستراتيجية تماما والانتظار حتى "تنشأ الفرص" فهذا لم اسمع به على مدى تاريخ الشعوب التي ناضلت من أجل حريتها واستقلالها. من المفترض تحديد الاستراتيجية أولا ومن ثم إيجاد التكتيكات الملائمة لتحقيقها، أليس كذلك؟
تضيف المتحاور معها: "الانتخابات وسيلة لصيانة الأحزاب العربية كأدوات تنظيم وعمل سياسي" وأن تضاؤل الأحزاب العربية سيعيد التشكيلة العائلية والطائفية لمجتمعنا. حقا؟ ولكن ما العمل إذا كانت الأحزاب العربية هي الداعم الأول للحفاظ على التشكيلة العائلية والطائفية لمجتمعنا؟ لا أدري كم من الوقت أمضت الدكتورة في نيوزيلندا، وإذا كانت تعلم بأن الأحزاب السياسية ومنذ زمن طويل تتصرف كعائلات وطوائف وأن العائلات والطوائف بدورها تتصرف كأحزاب سياسية حتى اختلط الحابل بالنابل واصبح من المستحيل التمييز فيما بينها؟
"المقاطعة تؤدي إلى تضاؤل الأحزاب وفراغ في القيادة..." أما الانتخابات فإنها تؤدي إلى تمدد "الاحزاب" وتمكين "القيادة"!! قد يكون ذلك صحيحا لو كانت هذه الاحزاب أحزابا وهذه القيادة قيادة.
يحتوي الحوار على بعض التلميحات والأفكار المختصرة حول المواطنة الاسرائيلية وكيف يمكن أن تتحول إلى استراتيجية مقاومة ودور الانتخابات في تنظيم الفلسطينيين داخليا والضغط من أجل حقوقهم المدنية والوطنية وغيرها من الآراء المجترة  والتى أثبتت تجربة سبعة عقود من التواجد في الكنيست على أنها عقيمة، وقد تناولتها في العديد من الكتابات السابقة ولا لزوم هنا للخوض بها مجددا.
وأخيرا تجزم المتحاور معها على أن" "الانخراط في النظام السياسي والتصويت للكنيست هي أولوية وأن المطالبة بتغيير الآلية السياسية في الوقت   الراهن  هو نوع من المجازفة".
وأنا بدوري أجزم أن عدم الانخراط في النظام السياسي الإسرائيلي ومقاطعة التصويت للكنيست هي التي ينبغي أن تكون اولوية لكافة جماهير شعبنا. 

Sunday, February 23, 2020

نحن بحاجة للغضب وليس للحزن

نحن بحاجة للغضب وليس للحزن
منذ فترة طويلة، توصلت إلى قناعة بأن النقاش في الأمور الدينية والعقائدية، خصوصا في الفضاء العام، لأن النقاش عديم الفائدة، عقيم ولا يجلب سوى الحقد والكراهية. خصوصا وإن كل ما يمكن أن يقال مع أو ضد هذه الامور قد قيل منذ زمن طويل. فالإيمان والكفر هي في نهاية المطاف مسالة قناعة ذاتية وبالتالي فأن تغييرها أو التمسك بها لا علاقة له بالوعظ أو النقاش. وعلى أساس هذه القناعة قررت عدم الخوض في مناقشة المسائل الدينية والعقائدية. ولكن في الجلسات الخاصة مع الاصدقاء أو الاقارب يكون من المستحيل أحيانا تجنب مثل هذا النقاش كليا. وحتى في مثل هذه الجلسات الخاصة كنت أحاول الاختصار من النقاشات وعدم الانجرار الى جدل "بيزنطي"  وعندما كان أحدهم يطيح بي تهمة العلمانية والاشتراكية وهي في منطقهم مرادفة للكفر والإلحاد كنت أجاوب ببساطة واختصار: العلمانية والاشتراكية ليست مدرسة لنشر الكفر والالحاد بل مدرسة لنشر الفكر الحر والعدالة الاجتماعية.

في احدى الجلسات العائلية فتح موضوع الدين والصحوة الاسلامية وكان من بينهم قريبا شابا متحمسا ينتمي إلى مجموعة شبابية تطلق على نفسها "شباب الدعوة". في البداية التزمت الصمت واستمعت الى ما يدور من نقاش ومواعظ، بالرغم من شعوري بأن جل مايدور من نقاش مواعظ تقصدني دون غيري. وعندما اصبح الكلام مباشرا وطلب الحاضرون ردي تنازلت عن صمتي وعبرت عن رايي الذي يعرفونه مسبقا، الامر الذي اثار لديهم المزيد من الاستنكار والامتعاض. في نهاية السهرة قام قريبي شاب الدعوة المتحمس وقال لي: يا خال، أنا أشفق عليك من عذاب النار لذلك سوف أهديك هذا الكتاب وأن تعدني بقراءته. تناولت الكتاب وشكرته.
عندما عدت للبيت تناولت الكتاب وكان اسمه: "لا تحزن" المؤلف هو الداعية السعودي الاسلامي عائض القرني والذي قرن اسمه بحرف الدال التي تشير إلى أنه يحمل شهادة الدكتوراة ولا أدري بماذا. وعلى الصفحة الاولى مكتوب: "الكتاب الذي بيع منه أكثر من مليوني نسخة".و"الكتاب الاول مبيعا في العالم العربي". بدأت بقراءة الكتاب كما وعدت قريبي وهو عبارة عن مواعظ واحاديث وقصص دينية وغير دينية أغلبها في غاية السذاجة هدفها كما يقول الكاتب نفسه هو جلب السعادة والهدوء والسكينة وانشراح الصدر وفتح باب الأمل والتفاؤل والفرج والمستقبل الزاهر. هنا لا بد أن اعترف بأنني لم أستطع أن أكمل قراءة هذا الكم الهائل من المواعظ الساذجة التي يحتويها الكتاب فوضعته على أحد الرفوف بين باقي الكتب. بعد فترة، قرأت بالصدفة في أحد المواقع أن عائض القرني هذا متهم بسرقة هذا الكتاب وكتاب آخر عن مؤلفين أجانب وأن محكمة سعودية أدانته بالسرقة وحكمت عليه بدفع غرامة. وقرأت مرة أخرى ومن باب الصدفة أيضا، فأنا لا أتابع مثل هذه الاخبار، بأن عائض القرني قد انقلب على تيار الصحوة الذي كان من أبرز رموزها وذلك خوفا أو إرضاء لولي العهد السعودي الذي زج بعدد من الدعاة المعروفين في السجن لمعارضتهم سياسته بالانفتاح التي يقودها. ومؤخرا تتناول وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو وتصريحات لعائض القرني يشن بها هجوما شرسا على الرئيس التركي أردوغان بعد أن كان يعتبره القائد الاسلامي الحكيم الذي يحمي الأمة الاسلامية وفي الوقت نفسه يكيل المديح للعائلة السعودية المالكة ويطبل ويزمر بكل ما أوتي من قوة للملك ولولي عهده. 
مثل هذا الداعية المنافق تجده في كل بلد عربي. ولكن للإنصاف فإن المصيبة لا تقتصر على هؤلاء الدعاة المطبلين فهناك طبقة كاملة من الشعراء والأدباء والكتاب والعلماء والمثقفين الذين يحملون كرسي الاستبداد على اكتافهم ويستبسلون في الدفاع عن الحكام المستبدين الجهلة. وبدون هؤلاء لا تستطيع أنظمة الاستبداد الصمود يوما واحدا في وجه الغضب الشعبي.
 لن تنعم الشعوب العربية بالحرية ولن تحقق أمانيها بإسقاط الانظمة الفاسدة
 إلا بعد إسقاط طبقة التطبيل والتسحيج هذه.